وتأبى الطّباعُ على الناقلِ

بسم الله الرحمن الرحيم

4068075236_94546cde3c

لعلنا نستهل حديثنا بطرح سؤال سهل وبسيط ..

ماهي الثقافة ؟

حين نقول عن شعب ما أن هذه ثقافتهم.

ماهو قصدنا بذلك ؟ وكيف توصلنا إلى هذا الحكم ؟ كيف نحكم على فعلٍ بقولنا أنه يعد ثقافة ؟

موضوع أثار انتباهي نوعًا ما, أسئلة كثيرة تثير هذا الموضوع لا سيما في وقتنا الحاضر.

دعونا نقف عند مثال لأشخاص ثلاث, سندرس ثقافتهم فيما يتعلق برمي المخلفات على الطريق:

الشخص الأول يرمي مخلفاته دائمًا.

الشخص الثاني يرميها مرة ومرة يضعها في مكانها المخصص.

الشخص الثالث يرميها مرة ويضعها في مكانها المخصص ثلاث مرات.

هل لنا أن نفصل بهذا الموضوع ؟ هل من الصحيح القول بأن ثقافتهم في رمي المخلفات متفاوته ؟ أم أن ثقافتهم هي رمي المخلفات ؟.

حين كنت أقرأ كتاب “تكوين العقل العربي” للدكتور محمد الجابري قال فيه نقلًا عن المؤرخ الفرنسي ادوارد هيريو: (( الثقافة هي ما يبقى عندما يتم نسيان كل شيء )) .

تعريف يستحق الوقوف عنده, والتفكر فيه, هل هو تعريف مقبول أم عليه مآخذ ؟

فصل هذا القول بأمثلتنا في الأعلى هو أن ثقافتهم جميعًا هي رمي المخلفات.

يقول ذو الإصبع العدواني:

ومن يبتدع ما ليس من خيم نفسه          يدعهُ ويغلبهُ على النفس خيمها

والخيم هي الطبيعة والسجية.

حين نقر بقبول هذا التعريف فإن الثقافة إذن هي العقل اللاواعي, حين يدع الإنسان عقله اللاوعي يفكر عنه فإن ما نراه يعد ثقافة هذا الشخص, أو هذا الشعب.

أيضًا حين نقر بهذا القول فإننا لابد موسعين دائرة الأعذار لما تفعله الثقافة, فهي دور العقل اللاواعي الذي ترسبت فيه الأفكار مرورًا بعوامل تعرية كثيرة, وأيضًا قد تكون بلا تحكم من صاحب العقل نفسه من الأساس, وكما يقول الخبزأرُزّي:

يعاب الفتى فيما أتى باختياره         ولا عيب فيما كان خلقًا مركبا

وإن كان البيت لا يصيب مبتغانا إصابة مثالية إلا أنه يمكن أن يستعان به.

إقرارنا بهذا القول يعني بأن الكثير الكثير يُطلب من الشخص لتغيير ثقافته وهو أمر ليس بتلك السهولة بحيث تحتاج القرار وحده, معرفتك بثقافتك وحدها تتطلب منك الفصل بين الواعي واللاواعي وهو أمر ليس بالسهل.

بصراحة راق لي التعريف وأصبحت أطبقه على بعض ما أرى, أصبح معياري الذي أقيس عليه, وفي بعض ردات فعلي أعمد إليه.

لعل إعجابي بتعريف ادوارد هيريو قلب موازيني, وأضاع منطق تفكيري, وأجحف بغيره في تقديري, وهذا هو الإعجاب وما يفعل يا سادة 😀 ..

أحببت مشاركة هذا التعريف معكم فإنه مني قد نال الإعجاب, و لي قد برر الأسباب. لعلكم تجدون ما وجدت فيه من متعة التفكر والتطبيق, وإن كان من وجهة نظرٍ مخالفة فيها نرشَد إلى صحيح الطريق, فإنا لها متلهفون, ولقراءة مختلف الآراء ساعون 💡 .